فصل: الفصل الثالث في من ملك الديار المصرية جاهليةً وإسلاماً:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الفصل الثالث في من ملك الديار المصرية جاهليةً وإسلاماً:

قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وكانت أهل مصر أهل ملك عظيم في الدهور الخالية والأزمان السالفة، ما بين قبطي ويوناني وعمليقي، وأكثرهم القبط. قال: وأكثر من تملك مصر الغرباء.
وهم على ثلاثة مراتب: المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان وقل من تعرض له من المؤرخين قد تقدم في الكلام على ابتداء عمارة مصر أن أول من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام، ومعنى نقراووس بالسريانية ملك قومه، وهو الذي عمر مدينة أمسوس أول قواعد مصر المتقدم ذكرها، ثم ملكها بعده ابنه نقراووس الثاني مائة وسبع سنين؛ ثم ملكها بعده أخوه مصرام بن نقراووس الأول؛ ثم ملكها بعده عنقام الكاهن ولم تطل مدة ملكه؛ ويقال إن إدريس عليه السلام رفع في زمانه؛ ثم ملكها بعده ابنه غرناق؛ ثم ملك بعده رجل من بني نقراووس اسمه لوجيم؛ ثم ملك بعده رجل اسمه خصليم، وهو أول من عمل المقياس للنيل على ما تقدم ذكره؛ ثم ملك بعده ابنه هرصال، ومعناه بالسريانية خادم الزهرة، وهي مدينة شرق النيل، وعمل سرباً تحت النيل إليها، وهو أول من عمل ذلك وأقام في الملك مائة وأربعاً وثلاثين سنة، ويقال إن نوحاً عليه السلام ولد في زمانه؛ ثم ملك بعده ابنه بدرسان؛ ثم ملك بعده أخوه شمرود، وكان طوله فيما يقال عشرين ذراعاً؛ ثم ملك بعده فرسيدون بن بدرسان المتقدم ذكره مائة وستين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه شرناق مائة وثلاث سنين ثم ملك بعده ابنه سهلوق مائة وتسع سنين؛ ثم ملك بعده ابنه سوريدين، وهو الذي بنى الأهرام العظام بمصر على ما تقدم ذكره في الكلام على عجائب مصر وخواصها؛ ثم ملك بعده ابنه هرجيب نيفاً وسبعين سنة، وهو الذي بنى الهرم الأول من أهرام دهشور؛ ثم ملك بعده ابنه مناوش ثلاثاً وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه أقروس أربعاً وستين سنة؛ وفي أيامه حصل القحط العظيم، وسلطت الوحوش والتماسيح على الناس، وأعقمت الأرحام حتى يقال أن الملك تزوج ثلثمائة امرأة يبغي الولد فلم يولد له، وذلك مقدمة الطوفان؛ ثم ملك بعده رجل من يبت أهل الملك اسمه أرمالينوس؛ ثم ملك بعده ابنه عمه فرعان، وهو أول من لقب بلقب الفراعنة، وكان قد كتب إلى ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام، وفي زمنه كان الطوفان وهلك فيمن هلك.
المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الإسلامي وللمؤرخين في ذلك خلف كثير، وقد جمعت بين كلام التواريخ التي وقفت عليها في ذلك، وهم على طبقات:
الطبقة الأولى: ملوكها من القبط:
قد تقدم في الكلام على ابتداء عمارتها أن أول من عمرها بعد الطوفان بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، وكان بيصر قد كبر سنه وضعف، فأقام يسيراً ثم مات، فدفن في موضع دير أبي هرميس غربي الأهرام. قال القضاعي: ويقال إنها أول مقبرة دفن فيها بأرض مصر؛ وملك بعده ابنه مصر فعمر وطالت مدة ملكه، وعمرت البلاد في أيامه وكثر خيرها، ثم مات؛ وملك بعده ابنه قبطيم، وإليه ينسب القبط، ويقال إنه أدرك بلبلة الألسن التي كانت بعد نوح عليه السلام، وهي ريح خرجت عليهم ففرقت بينهم وصار كل منهم يتكلم بلغة غير لغة الآخر، وخرج منها باللغة القبطية؛ ثم ملك بعده ابنه قفط، وهو الذي بنى مدينة قفط بالصعيد الأعلى وسماها باسمه، وآثارها باقية إلى الآن؛ ثم ملك بعده أخوه أشمن، وهو الذي بنى مدينة أشمونين المتقدم ذكرها بالوجه القبلي، وطالت مدته حتى نقل أنه بقي ثمانمائة سنة، وقيل ثمانمائة وثلاثين؛ ثم ملك بعده أخوه أتريب، وهو الذي بنى مدينة أتريب المتقدمة الذكر بالوجه البحري من الديار المصرية، ثم ملك بعده أخوه صا، وهو الذي بنى مدينة صا المتقدم ذكرها بالوجه البحري أيضاً؛ ثم ملك بعده قفطريم بن قفط، ويقال: إنه الذي وضع أساس الأهرام الدهشورية غير الهرم الأول الذي بناه هرجيب المتقدم ذكره قبل الطوفان، وهو الذي بنى مدينة دندرى بالصعيد الأعلى، وآثارها باقية إلى الآن؛ ثم ملك بعده ابنه بودشير، وهو الذي أصلح جنبتي النيل بهندسته؛ ثم ملك بعده ابنه عديم ثم ملك بعده ابنه شدات، وهو الذي تمم الأهرام الدهشورية التي وضع أساسها قفطريم المتقدم ذكره. ويقال: إن مدينة شطب التي بالقرب من مدينة أسيوط بنيت في أيامه، وآثارها باقية إلى الآن، وهو أوّل من ولع بالصيد واتخذ الجوارح والكلاب السّلوقية، وعمل البيطرة من ملوك مصر، ومات عن أربعمائة وأربعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه منقاوش، ويقال: إنه أوّل من عمل له الحمّام بمصر؛ ثم ملك بعده ابنه مناوش وطالت مدّته في الملك حتّى بقي فيما يقال ثمانمائة سنة، وقيل ثمانمائة وثلاثين سنة، ثم ملك بعده منقاوش بن أشمن نيفاً وأربعين سنة، وقيل ستين سنة، وهو أوّل من عمل له الميدان بمصر، وأوّل من بنى البيمارستان لعلاج المرضى، وفي أيامه بنيت مدينة سنتريه بالواحات؛ ثم ملك بعده ابنه مرقوره نيفاً وثلاثين سنة، وفي كتب القبط أنه أوّل من ذلل السباع وركبها؛ ثم ملك بعده بلاطس خمساً وعشرين سنة؛ ثم ملكت بعده بنت من بنات أتريب خمساً وثلاثين سنة، وهي أوّل من ملك مصر من النساء؛ ثم ملك بعدها أخوها قليمون تسعين سنة، وفي أيامه بنيت مدينة دمياط على اسم غلام له كانت أمه ساحرة له، وفي أيامه بنيت أيضاً مدينة تنّيس، ثم ملك بعده ابنه فرسون مائتين وستين سنة؛ ثم ملك بعده ثلاثة ملوك أو أربعةٌ لم يعين اسمهم؛ ثم ملك بعدهم مرقونس الكاهن ثلاثاً وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه أيساد خمساً وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه صا وأكثر القبط تزعم أنه أخوه، نيفاً وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه تدراس، وهو الذي حفر خليج سخا المتقدم ذكره في خلجان مصر القديمة، ثم ملك بعده ابنه ماليق، ويقال: إنه خالف دين آبائه في عبادة الأصنام، ودان بدين التوحيد.
ولما أحس بالموت، صنع له ناووساً وكنز معه كنوزاً عظيمة، وكتب عليها أنه لا يستخرجها إلا أمة النبي الذي يبعث في آخر الزمان؛ ثم ملك بعده ابنه حريا، وفي بعض التواريخ حرايا خمساً وسبعين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه كلكن، وفي بعض التواريخ كلكي نحواً من مائة سنة، وهو أول من أظهر علم الكيمياء بمصر، وكان قبل ذلك مكتوماً، وفي زمنه كان النمروذ بأرض بابل من العراق، ثم ملك بعده أخوه ماليا؛ ثم ملك بعده حربيا بن ماليق؛ ثم ملك بعده طوطيس بن ماليا؛ وفي بعض التواريخ طوليس سبعين سنة، وفي بعض التواريخ أنه ملك بعد أبيه ماليا؛ والقبط تزعم أن الفراعنة سبعة هو أولهم، وهو الذي أهدى هاجر لإبراهيم عليه السلام، ثم ملكت بعده أخته حوريا، وهي التي بنى لها جيرون المؤتفكي صاحب الشام مدينة الإسكندرية حين خطبها على أحد الأقوال في عمارتها ليجعلها مهراً لها، ثم احتالت عليه فسمته هو وجميع عسكره في خلع فماتوا؛ ثم ملكت بعدها بنت عمها زلفى ويقال دلفة بنت مأموم؛ ثم ملك بعدها أيمين الأتريبي، وهو آخر ملوك القبط من هذه الطبقة.
والذي ذكره القضاعي وغيره أنه ملكها بعد وفاة بيصر ابنه مصر، ثم قفط بن مصر، ثم أخوه أشمن، ثم أخوه أتريب، ثم أخوه صا، ثم ابنه تدراس، ثم ابنه ماليق، ثم ابنه حريا، ثم ابنه كلكن، ثم أخوه ماليا، ثم حربيا، ثم طوطيس بن ماليا، ثم ابنته حوريا، وهي أول من ملكها من النساء، ثم ابنة عمها زلفى، وممنها انتزعها العمالقة الآتي ذكرهم.
الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام:
أول من ملكها منهم الوليد بن دومع العمليقي، وقال السهيلي: الوليد ابن عمرو بن أراشة، اقتلعها من أيمين: آخر ملوك القبط المتقدم ذكره، وهو الفرعون الثاني عند القبط، وقيل هو من سمي بفرعون، وقام في الملك مائة وعشرين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه الريان مائة وعشرين سنة، والقبط تسميه نهراوس، وهو الفرعون الثالث عند القبط، ونزل مدينة عين شمسٍ، وكانت الملوك قبله تنزل مدينة منفٍ، وفي أيامه وصل يوسف عليه السلام إلى مصر، وكان من أمره ما قصه الله تعالى في كتابه.
ويقال إنه آمن بيوسف عليه السلام؛ ثم ملك بعده ابنه دارم ويقال دريوس، وهو الفرعون الرابع عند القبط، وفي أيامه توفي يوسف عليه السلام، وفي أيامه ظهر بمصر معدن فضة على ثلاثة أيام في النيل؛ ثم ملك بعده ابنه معدان ويقال معاديوس، وهو الفرعون الخامس عند القبط، إحدى وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه أقسامس وهو الفرعون السادس عند القبط، وبعضهم يزعم أن منارة الإسكندرية بنيت في زمنه، وأهل الأثر يسمونه كاسم، وربما قالوا كامس، ثم ملك بعده ابنس لاطس؛ ثم ملك بعده رجل اسمه ظلما كان من عماله فخرج عليه فقتله وملك مكانه، وهو الفرعون السابع عند القبط، وهو فرعون موسى.
قال المسعودي: وهو الوليد من مصعب الموجود في كتب الأثر، والوليد بن مصعب هو فرعون موسى، وهو الوليد بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن أراشة، يجتمع مع الوليد بن دومع في أراشة، وهو آخر من ملك مصر من العمالقة، وبعضهم يقول ظلما بن قومس من ولد أشمون أحد مولك القبط المتقدم ذكرهم؛ وعلى هذا فيكون فرعون موسى من القبط، وهو أحد الأقوال فيه، وهو الذي يعول عليه القبط، ويوردونه في كتبهم، وآخرون يجعلونه من لخم من الشام، والظاهر الأول، وهو أول من عرف العرفاء على الناس، وفي زمنه حفر خليج سردوس المتقدم ذكره في خلجان النيل، ويقال: إنه عاش دهراً طويلاً لم يمرض ولم يشك وجعاً إلى أن أهلكه الله تعالى بالغرق.
الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة:
أول من ملكها منهم بعد فرعون دلوكة وطالت مدتها في الملك حتى عرفت بالعجوز، وإليها ينسب حائط العجوز المبني بالطوب اللبن المستدير على بلاد مصر في لحف الجبلين: الشرقي والغربي، وأثره باق بالوجه القبلي إلى الآن، ويقال إنها التي بنت البرابي بمصر، ثم ملك بعدها رجل من أبناء أكابر القبط اسمه دركون بن بطلوس، ويقال دركوس بن ملوطس، ثم ملك بعده رجل اسمه تودس ثم ملك بعده ابنه لقاش نحواً من خمسين سنة؛ ثم ملك بعده مرينا بن لقاش نحواً من عشرين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه بلطوس ويقال بلوطس بن مياكيل أربعين سنة؛ ثم ملك بعده مالوس ويقال فالوس ويقال فالوس بن توطيس عشر سنين؛ ثم ملك بعده مياكيل.
قال المسعودي: وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرب بيت المقدس، ثم ملك بعده نوله وهو الذي غزا رحبعم ابن سليمان عليه السلام بالشام، وقيل إن الذي غزا رحبعم كان اسمه شيشاق.
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وهو الأصح. وقال: ثم لم يشتهر بعد شيشاق المذكور غير فرعون الأعرج، وهو الذي غزاه بختنصر وصلبه، والذي ذكره المسعودي أنه ملك بعد مياكيل المتقدم ذكره مرنيوس؛ ثم ملك بعده ابنه بغاش ثمانين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه قومس عشرين سنة؛ ثم ملك بعده ابنه كاييل.
قال المسعودي: وهو الذي غزاه بخنتصر وصلبه وخرب مصر، وبقيت مصر أربعين سنة خراباً.
الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس:
أول من ملكها في جملة مملكة الفرس بهراسف بواسطة أن بخنتصر كان نائباً له ومن حين استولى عليها بخنتصر، توالت عليها الولاة من جهته، وهو ببابل سبعاً وخمسين سنة وشهراً كما ذكر صاحب حماة إلى أن مات، فولي بعده ابنه أولات سنةً واحدةً؛ ثم أوليها بعده أخوه بلطشاش بن بخنتصر، ثم استقرت مصر والشام بأيدي نواب الفرس عن ملوكهم.
فلما مات بهراسف، ملك بعده كيبستاسف؛ ثم ملك بعده ابنه أردشير بهمن بن أسفيديار بن كيبستاسف، وأنبسطت يده حتى ملك الأقاليم السبعة؛ ثم ملك بعده ابنه دارا، وفي زمنه ملك الإسكندر بن فيلبس على اليونان فقصده، فلما قرب منه قتله جماعة من قومه، ولحقوا بالإسكندر، وهو آخر من ملك مصر من الفرس، ولم أقف على تفصيل نواب الفرس بمصر إلا أنه كان منهم كسرجوس الفارسي، وهو الذي بنى قصر الشمع بالفسطاط على ما تقدم ذكره، وبعده طحارست الطويل، وفي أيامه كان بقراط الحكيم.
الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان:
أول من ملكها منهم الإسكدنر بن فيلبس حين غلب دارا ملك الفرس على ملكه واستولى على ما كان بيده، وكان مقر ملكه مقدونية من بلاد الروم القديمة، وانحاز له ملك العراق، والشام، ومصر، وبلاد العرب.
فلما مات تفرقت ممالكه بين الملوك، فملك مصر ونواحي الغرب البطالسة من ملوك اليونان، كان كل منهم يلقب بطليموس.
فأول من ملكها منهم بطليموس المنطيقي عشرين سنة، ويقال: إنه أول من لعب بالبزاة وضراها؛ ثم ملك بعده بطليموس محب أخيه أربعين سنة، وقيل ثماناً وثلاثين سنة، وهو الذي نقل التوراة من العبارينة إلى اليونانية، وفي أيامه ظهرت عبادة التماثيل والأصنام، ثم ملك بعده بطليموس الصائغ خمساً، وقيل ستاً وعشرين سنة؛ ثم ملك بعده بطليموس محب أبيه سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده بطليموس صاحب علم الفلك أربعاً وعشرين سنة، وهو الذي ألف كتاب المجسطي؛ ثم ملك بعده بطليموس محب أمه سبعاً وعشرين سنة، ثم ملك بعده بطليموس الصائغ الثاني ثم ملك بعده بطليموس المخلص ست عشر سنة، وقيل سبع عشرة سنة، ثم ملك بعده بطليموس الإسكندراني تسع سنين، وقيل اثنتي عشرة سنة؛ ثم ملك بعده بطليموس اسكندروس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده بطليموس محب أخيه الثاني ثمان سنين؛ ثم ملك بعده بطليموس دوتيسوس؛ ثم ملكت بعده ابنته قلوبطرا اثنتين وعشرين سنة، وبزوالها انقرض ملك اليونان عن مصر وزال.
الطبقة السادسة ملوكها من الروم:
أول من ملكها منهم أغشطش. ويقال بشينين معجمتين ومهملتين، ولقبه قيصر، وهو أول من تلقب به، ثم صار علماً على ملوك الروم.
قصد قلوبطرا المتقدم ذكرها، فلما أحست بقربة منها، عمدت إلى مجلسها فجعلت فيه الرياحين والمشموم، وأعملت الفكر في تحصيل حية إذا نهشت الإنسان مات لحينه ولم يتغير حاله، فقربت يدها منها حتى ألقت سمها في يدها، وانسابت الحية في الرياحين، وجاء أغشطش فوضع يده في الرياحين فنهشته الحية، فبقي يوماً ومات بعد أن ملك الروم ثلاثاً وأربعين سنة، وفي أيامه ولد المسيح عليه السلام؛ ثم ملك بعده الروم ومصر طيباريوس ويقال طبريوس، ويقال طبريس اثنتين وعشرين سنة. قال المسعودي: وفي زمنه رفع المسيح عليه السلام قال: ولما مات أغشطش، اختلف الروم وتحزبوا وتنازعوا في الملك مائتين وثمانياً وتسعين سنة، لا نظام لهم، ولا ملك يجمعهم؛ ثم ملكهم عانيوس. قال صاحب حماة: وكان رفع المسيح في زمنه، وهو مخالفٌ لما تقدم من كلام السمعودي؛ ثم ملك بعده قلديوس أربع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده نارون ثلاث عشرة سنة، وهو الذي قتل بطرس وبولص الحواريين برومية وصلبهما؛ ثم ملك بعده ساسانوس عشر سنين؛ ثم ملك بعده طيطوس سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده دومطيتوش ويقال أديطانش خمس عشرة سنة، وكان على عباد الأصنام فتتبع اليهود والنصارى وقتلهم؛ ثم ملك بعده أدريانوس ستاً وثلاثين سنة فأصابته علة الجذام فسار إلى مصر يطلب طباً لذلك فلم يظفر به ومات بعلته؛ ثم ملك بعده ايطيثيوس ويقال أبطأوليس ثلاثاً وعشرين سنة، وهو الذي بنى بيت المقدس بعد تخريبه الثانية وسماه إيليا، ومعناه بيت الرب، وهو أول من سماه بذلك؛ ثم ملك بعده مرقوس ويقال قومودوس سبع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده قومودوس ثلاث عشرة سنة؛ وكان دين النصارى قد ظهر في أيامه؛ وفي زمنه كان جالينوس الحكيم، ثم ملك بعده قوطنجوس ستة أشهر؛ ثم ملك بعده سيوارس ثماني عشرة سنة؛ ثم ملك بعده ايطيثيوس الثاني أربع سنين، ثم ملك بعده اسكندروس ثلاث عشرة سنة؛ ثم ملك بعده بكسمينوس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده خورديانوس ست سنين؛ ثم ملك بعده دقيانوس وقيل دقيوس سنة واحدة، فقتل النصارى وأعاد عبادة الأصنام، ومنه هرب الفتية أصحاب الكهف، وكان من أمرهم ما قص الله تعالى في كتابه العزيز؛ ثم ملك بعده غاليوس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده علينوس وولديانوس اشتركا في الملك، وقيل إن ولديانوس انفرد بالملك بعد ذلك؛ وأقام فيه خمس عشرة سنة؛ ثم ملك بعده قلوديوس سنة واحدة؛ ثم ملك بعده أردياس ويقال أردليانوس ست سنين؛ ثم ملك بعده قروقوس سبع سنين؛ ثم ملك بعده ياروس وشركته سنتين؛ ثم ملك بعده دقلطيانوس إحدى وعشرين سنة، وهو آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم، وبملكه تؤرخ النصارى إلى اليوم، وعصي عليه أهل مصر، فسار إليهم من رومية، وقتل منهم خلقاً عظيماً، وهم الذين يعبر عنهم النصارى الآن بالشهداء.
ثم ملك بعده قسطنطين المظفر إحدى وثلاثين سنة فسار من رومية إلى قسطنطينية وبنى سورها واستقرت دار ملكهم، وأظهر دين النصرانية وحمل الناس عليه؛ ثم ملك بعده ابنه قسطنطين فشيد دين النصرانية وبنى الكنائس الكثيرة؛ ثم ملك بعده إليانوس، ويقال إليانس سنة واحدة، وهو ابن أخي قسطنطين المتقدم ذكره، فرفض دين النصرانية ورجع إلى عبادة الأصنام، وبموته خرج الملك عن بني قسطنطين؛ ثم ملك بعده بطريق من بطارقة الروم اسمه بوثيانوس، ويقال سيوتيانوس سنة واحدة فأعاد دين النصرانية، ومنع عبادة الأصنام؛ ثم ملك بعده قالنطيانوس أربع عشرة سنة؛ ثم ملك بعده خرطيانوس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده باردوسيوس الكبير تسعاً وأربعين سنة؛ ثم ملك بعده ادقاديوس بقسطنطينة وشريكه أويوريوس برومية ثلاث عشرة سنة؛ ثم ملك بعدهما مرقيانوس سبع سنين، وهو الذي بنى دير مارون بحمص؛ ثم ملك بعده واليطيس سنة واحدة، ثم ملك بعده لاون الكبير سبع عشرة سنة، ثم ملك بعده زيتون ثمان عشرة سنة؛ ثم ملك بعده اسطيسوس سبعاً وعشرين سنة، وهو الذي عمر أسوار مدينة حماة؛ ثم ملك بعده بوسيطيتنوس تسع سنين؛ ثم ملك بعده بوسيطيتنوس الثاني ثمانياً وثلاثين سنة؛ ثم ملك بعده طبريوس ثلاث سنين؛ ثم ملك بعده طبريوس الثاني أربع سنين؛ ثم ملك بعده ماريقوس ثمان سنين؛ ثم ملك بعده ماريقوس الثاني، ويقال مرقوس اثنتي عشرة سنة؛ ثم ملك بعده قوقاس ثمان سنين؛ ثم ملك بعده هرقل واسمه بالرومية أوقليس، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى الإسلام، وكانت الهجرة النبوية في السنة الثانية عشرة من ملكه.
قال المسعودي: وفي تواريخ أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاجر وملك الروم قيصر بن قوق؛ ثم ملك الروم بعده قيصر بن قيصر، وذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهو الذي حاربه أمراء الإسلام بالشام واقتلعوا الشام منه.
والذي ذكر ه في التعريف في مكاتبة الأذفونش صاحب طليطلة من ملوك الفرنج بالأندلس أن هرقل الذي هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم في زمنه وكتب إليه لم يكن الملك نفسه، وإنما كان متسلم الشام لقيصر، وقيصر بالقسطنطينيّة لم يرم، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما كتب لهرقل لأنه كان مجاوراً لجزيرة العرب من الشام، وعظيم بصرى كان عاملاً له، ويظهر أن قيصر الأخير الذي ذكره هو الذي كان المقوقس عاملاً له على مصر. ويقال: إن المقوقس تقبّل مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار.
واعلم أنه كان الحال يقتضي أن نذكر نوّاب من تقدّم من ملوك الروم واليونان والفرس على مصر، ولكن أصحاب التواريخ لم تعتن بأمر ذلك، فتعذر العلم به. وإذا ذكر الأصل، استغني به عن الفرع.
وذكر القضاعيّ: أنه بعد عمارة مصر من خراب بختنصّر ظهرت الروم وفارس على سائر الملوك التي وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين إلى أن صالحوهم على شيء في كل عام، على أن يكونوا في ذمتهم ويمنعوهم من ملوك فارس، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّ الحال على خراج مصر أن يكون بين فارس والروم في كل عام، وأقاموا على ذلك تسع سنين؛ ثم غلبت الروم فارس وأخرجوهم من الشام وصار ما صولحت عليه أهل مصر كله خالصاً للروم، وجاء الإسلام والأمر على ذلك.
المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زماننا وهم على ضربين:
الضرب الأول فيمن وليها نيابةً:
وهو الصدر الأول، وهم على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: عمّال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم:
قد تقدّم أنها لم تزل بيد الروم والمقوقس عامل عليها إلى خلافة عمر رضي الله عنه، ولم تزل كذلك إلى أن فتحها عمرو بن العاص والزّبير بن العوّام في سنة عشرين من الهجرة، وقيل سنة تسع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ووليها عمرو بن العاص من قبل عمر، وهو أول من وليها في الإسلام، وبقي عليها إلى سنة خمس وعشرين؛ وبنى الجامع العتيق بالفسطاط؛ ثم وليها عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أبو يحيى العامري فمكث فيها إحدى عشرة سنة، وتوفي سنة ست وثلاثين؛ ثم وليها عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه قيس بن سعد الخزرجيّ في أول سنة سبع وثلاثين؛ ثم وليها عنه مالك بن الحارث النخعيّ المعروف بالأشتر في وسط سنة سبع وثلاثين، وكتب له عنه عهداً يأتي ذكره في الكلام على العهود إن شاء الله تعالى، فسمّ ومات قبل دخوله إلى مصر؛ ثم وليها عنه محمد بن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه في آخر سنة سبع وثلاثين فمكث دون السنة؛ ثم وليها عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عمرو بن العاص ثانياً سنة ثمان وثلاثين خمس سنين، وتوفي بها سنة ثلاث وأربعين؛ ثم وليها عنه عقبة بن عامر الجهنيّ في سنة أربع وأربعين فمكث فيها ثلاث سنين وكسراً؛ ثم وليها عنه مسلمة بن مخلّدٍ الخزرجيّ سنة سبع وأربعين فمكث فيها خمس عشرة سنة.
الطبقة الثانية عمّال خلفاء بني أميّة بالشام:
لما أفضت الخلافة بعد معاوية إلى ابنه يزيد، وليها عنه سعيد بن يزيد بن علقمة الأزديّ في سنة اثنتين وستين، فمكث فيها سنتين وكسراً؛ ثم وليها عنه عبد الرحمن الفهريّ في سنة أربع وستين، وأقرّه على الولاية بعد يزيد ابنه معاوية ثم مروان بن الحكم، فمكث فيها اثنتين وعشرين سنة؛ ثم وليها عن عبد الملك بن مروان عبد الله بن عبد الملك بن مروان في أول سنة ست وثمانين، فمكث فيها خمس سنين؛ ثم وليها عنه قرّة بن شريك في سنة تسعين، وأقره عليها الوليد بن عبد الملك بعده، فمكث فيها سبع سنين، ثم وليها عن سليمان بن عبد الملك عبد الملك بن رفاعة في سنة سبع وتسعين، فمكث فيها ثلاث سنين وكسراً؛ ثم وليها عن عمر بن عبد العزيز أيوب بن شرحبيل الأصبحي آخر سنة تسع وتسعين، فمكث فيها سنتين وستة أشهر؛ ثم كانت خلافة يزيد بن عبد الملك؛ فوليها عنه بشر بن صفوان الكلبيّ سنة إحدى ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر أيضاً؛ ثم وليها عن هشام بن عبد الملك محمد بن عبد الملك أخو هشام في سنة خمس ومائة، فمكث فيها أشهراً؛ ثم وليها عنه عبد الله بن يوسف الثقفيّ في ذي الحجة سنة خمس ومائة، فمكث فيها أربع سنين وستة أشهر؛ ثم وليها عنه عبد الملك بن رفاعة ثانياً في سنة تسع ومائة وعزل فيها؛ ثم وليها عنه الوليد أخو عبد الملك بن رفاعة في سنة تسع المذكورة، فمكث فيها عشر سنين وكسراً، وتوفّي سنة تسع عشرة ومائة، ثم وليها عنه عبد الرحمن الفهري ثانياً في آخر سنة تسع عشرة ومائة، فأقام بها سبعة أشهر، ثم وليها عنه حنظلة بن صفوان ثانياً في سنة عشرين ومائة، فمكث فيها سنين وكسراً وعزل؛ ثم وليها عن مروان بن محمد الجعديّ؛ فوليها عنه حسان بن عتابة التّجيبي سنة سبع وعشرين ومائة، فمكث فيها خمس سنين أو دونها؛ ثم وليها عنه حفص بن الوليد سنة ثمان وعشرين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين وستة أشهر؛ ثم وليها عنه الفزاريّ سنة أحدى وثلاثين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه عبد الملك بن مروان مولى لخمٍ سنة إحدى وثلاثين ومائة، وهو آخر من وليها عن بني أمية.
الطبقة الثالثة عمّال خلفاء بني العبّاس بالعراق:
أول من وليها في الدولة العباسية عن أبي العبّاس السّفاح: أوّل خلفائهم، صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فمكث فيها أشهراً قلائل؛ ثم وليها عنه عبد الملك مولى بني أسد آخر سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين؛ ثم وليها عنه صالح بن عليّ ثانياً في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة. ثم وليها عن أبي جعفر المنصور عبد الملك سنة تسع وثلاثين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين؛ ثم وليها عنه النّقيب التميميّ سنة إحدى وأربعين ومائة، فمكث فيها سنتين؛ ثم وليها عنه حميد الطائيّ: سنة ثلاث وأربعين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه يزيد المهلّبيّ سنة أربع وأربعين ومائة، فمكث فيها تسع سنين؛ ثم وليها عنه عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية سنة اثنتين وخمسين ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر؛ ثم وليها عنه محمد بن عبد الرحمن بن معاوية سنة أربع وخمسين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه موسى بن علي اللخميّ في سنة خمس وخمسين ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر.
ثم وليها عن المهدي عيسى الجمحيّ سنة إحدى وستين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة؛ ثم وليها عنه واضح مولى المنصور في سنة اثنتين وستين ومائة؛ ثم وليها عنه زيد بن منصور الحميري في وسط سنة اثنتين وستين ومائة؛ ثم وليها عنه يحيى أبو صالح في ذي الحجة من السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه سالم بن سوادة التميميّ سنة أربع وستين ومائة؛ ثم وليها عنه إبراهيم العباسيّ في سنة خمس وستين ومائة؛ ثم وليها عنه معين الدين ختهم في سنة ست وستين ومائة.
ثم وليها عن الهادي أسامة بن عمرو العامري في سنة ثمان وستين ومائة، ثم وليها عنه الفضل بن صالح العباسيّ في سنة تسع وستين ومائة؛ ثم وليها عنه علي بن سليمان العباسيّ آخر السنة المذكورة.
ثم وليها عن الرشيد موسى العباسي في سنة اثنتين وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه محمد بن زهير الأزدي سنة ثلاث وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه داود بن يزيد المهلبي سنة أربع وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه موسى بن عيسى العباسي سنة خمس وسبعين ومائة ومات بها؛ ثم وليها عنه عبد الله بن المسيب الضبيّ في أول سنة سبع وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه هرثمة بن أعين سنة ثمان وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه عبد الملك العباسيّ في سلخ ذي الحجة من السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه عبيد الله بن المهديّ العباسيّ في سنة تسع وسبعين ومائة؛ ثم وليها عنه موسى بن عيسى التّنوخيّ في آخر سنة ثمانين ومائة، ثم وليها عنه عبيد الله بن المهديّ ثانياً سنة إحدى وثمانين ومائة؛ ثم وليها عنه إسماعيل بن صالح في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه إسماعيل بن عيسى بن موسى سنة اثنتين وثمانين ومائة؛ ثم وليها عنه الليث البيورديّ في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه أحمد بن إسماعيل في آخر سنة تسع وثمانين ومائة؛ ثم وليها عنه عبد الله بن محمد العباسيّ المعروف بابن زينب في سنة تسعين ومائة؛ ثم وليها عنه مالك بن دلهم الكلبيّ سنة اثنتين وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه أو عن الأمين الحسين بن الحجاج سنة ثلاث وتسعين ومائة.
ثم وليها عن الأمين حاتم بن هرثمة بن أعين سنة خمس وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه عباد أبو نصر مولى كندة سنة ست وتسعين ومائة، ثم وليها عنه أو عن المأمون المطّلب بن عبد الله الخزاعي سنة ثمان وتسعين ومائة.
ثم وليها عن المأمون العباس بن موسى سنة ثمان وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه المطلب بن عبد الله ثانياً في سنة تسع وتسعين ومائة؛ ثم وليها عنه السريّ بن الحكم في سنة مائتين؛ ثم وليها عنه سليمان بن غالب في سنة إحدى ومائتين؛ ثم وليها عنه أبو نصر محمد بن السريّ في سنة خمس ومائتين؛ ثم وليها عنه عبيد الله في سنة ست ومائتين؛ ثم وليها عنه عبد الله بن طاهر مولى خزاعة في سنة عشر ومائتين؛ وهو أول من جلب البطّيخ الخراسانيّ المعروف بالعبدليّ من خراسان إلى مصر فنسب إليه؛ ثم وليها عنه عيسى الجلّوديّ في سنة ثلاث عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه عمرو بن الوليد التميميّ في سنة أربع عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه عيسى الجلّوديّ ثانياً في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه عبدويه بن جبلة في سنة خمس عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه عيسى بن منصور مولى بني نصر في سنة ستّ عشرة ومائتين.
وفي هذه السنة دخل المأمون مصر وفتح الهرم.
ثم وليها عن المعتصم بالله المسعوديّ في أول سنة تسع عشرة ومائتين؛ ثم وليها عنه المظفّر بن كيدر في وسط السنة المذكورة أشهراً قلائل؛ ثم وليها عنه موسى بن أبي العباس في آخر السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه مالك بن كيدر في سنة أربع وعشرين ومائتين؛ ثم وليها عنه عليّ بن يحيى في سنة ست وعشرين ومائتين.
ثم وليها عن الواثق بالله عيسى بن منصور الجلّوديّ ثانياً في سنة تسع وعشرين ومائتين؛ ثم وليها عن المتوكل عليّ بن يحيى ثانياً في سنة أربع وثلاثين ومائتين؛ ثم وليها عنه إسحاق الختليّ في سنة خمس وثلاثين ومائتين؛ ثم وليها عنه خزاعة في سنة ست وثلاثين ومائتين، ثم وليها عنه عنبسة الضّبيّ في سنة ثمان وثلاثين ومائتين؛ ثم وليها عنه يزيد بن عبد الله في سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وأقرّه عليها بعده المنتصر بالله، ثم المستعين بالله.
ثم وليها عن المستعين بالله مزاحم بن خاقان في سنة ثلاث وخمسين ومائتين؛ ثم وليها عنه أحمد بن مزاحم في سنة أربع وخمسين ومائتين وأقرّه عليها المهتدي بالله.
الضرب الثاني من وليها ملكاً:
وهم على أربع طبقات:
الطبقة الأولى: من وليها عن بني العبّاس قبل دولة الفاطميين:
وأوّلهم: أحمد بن طولون وليها عن المعتمد في سنة ست وستين ومائتين، وعمر بها جامعه المتقدّم ذكره في خطط الفسطاط؛ وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك؛ وهو أول من جلب المماليك الترك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها.
وأقرّه المعتضد بالله بعد المعتمد، وبقي بها حتى مات، فوليها عن المعتضد خمارويه بن أحمد بن طولون في أول سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وقتله جنده في السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه جيش بن خمارويه في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقتله جنده في السنة المذكورة؛ ثم وليها عنه هارون بن خمارويه في آخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقتل في سنة اثنتين وتسعين.
ثم وليها عن المكتفي بالله شيبان بن أحمد بن طولون في سنة اثنتين وتسعين ومائتين فبقي اثني عشر يوماً وعزل؛ ثم وليها عنه محمد بن سليمان الواثقي في آخر سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ثم وليها عنه أو عن المقتدر بالله عيسى النوشري في سنة خمس وتسعين ومائتين.
ثم وليها عن المقتدر بالله أبو منصور تكين في سنة سبع وتسعين ومائتين وعزل؛ ثم وليها عنه أبو الحسن في سنة ثلاث وثلثمائة وعزل، ثم وليها عنه أبو منصور تكين ثانياً سنة سبع وثلثمائة وعزل؛ ثم وليها عنه هلالٌ سنة تسع وثلثمائة؛ ثم وليها عنه أحمد بن كيغلغ في سنة إحدى عشرة سنة وثلثمائة؛ ثم وليها عنه أبو منصور تكين ثالث مرة في السنة المذكورة.
ثم وليها عن القاهر بالله محمد بن طغج في سنة إحدى وعشرين وثلثمائة. ثم وليها عنه أحمد بن كيغلغ ثانياً في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة. وأقره عليها المكتفي ثم المستكفي بالله بعده.
ثم وليها عن المطيع لله أبو القاسم الإخشيد في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، ثم وليها عنه علي بن الإخشيد سنة تسع وثلاثين وثلثمائة؛ ثم وليها عنه كافور الإخشيدي الخادم في سنة خمس وخمسين وثلثمائة؛ وكان يحب العلماء والفقهاء، ويكرمهم، ويتعاهدهم بالنفقات، ويكثر الصدقات حتى استغنى الناس في أيامه، ولم يجد أرباب الأموال من يقبل منهم الزكاة فرفعوا أمر ذلك إليه فأمرهم أن يبتنوا بها المساجد ويتخذوا لها الأوقاف ففعلوا؛ ثم وليها عنه أحمد بن علي الإخشيد في سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وهو آخر من وليها من العمال عن خلفاء بني العباس بالعراق.
الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين المعروفين بالعبيديين:
أول من وليها منهم المعز لدين الله أبو تميم معد بن تميم بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي وإليه ينسبون، جهز إليها قائده جوهراً، من بلاد المغرب إلى الديار المصرية ففتحها في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة على ما تقدم في الكلام على قواعد الديار المصرية وانقطعت الخطبة العباسية منها؛ ورحل المعز من المغرب إلى مصر فوصل إليها ودخل قصره بالقاهرة في سابع رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة وصارت مصر والمغرب مملكةً واحدة، وبلاد المغرب نيابة من مصر. وتوفي ثالث ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلثمائة.
ثم ولي بعده ابنه العزيز بالله أبو المنصور يوم وفاة أبيه، وإليه ينسب الجامع العزيزي بمدينة بلبيس، وتوفي بالحمام في بلبيس ثامن رمضان المعظم قدره سنة ست وثمانين وثلثمائة.
ثم ولي بعده ابنه الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور ليلة وفاة أبيه، وبنى الجامع الحاكمي في سنة تسع وثمانين وثلثمائة، وهو يومئذ خارج سور القاهرة، وفارق مصر وخرج إلى الجبل المقطم فوجدت ثيابه مزررة الأطواق وفيها آثار السكاكين ولا جثة فيها، وذلك في سلخ شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولم يشك في قتله. والدرزية من المبتدعة يعتقدون أنه حي وأنه سيرجع ويعود على ما سيأتي في الكلام على أيمانهم وتحليفهم إن شاء الله تعالى.
ثم ولي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي وبقي حتى توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
ثم ولي بعده ابنه المستنصر بالله أبو تميم معدٌ بعد وفاة أبيه. وفي أيامه جدد سور القاهرة الكبير في سنة ثمانين وأربعمائة. وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وفي أيامه كان الغلاء الذي لم يعهد مثله، مكث سبع سنين حتى خربت مصر، ولم يبق بها إلا صبابة من الناس على ما تقدم في سياقة الكلام على زيادة النيل.
ثم ولي بعده ابنه المستعلي بالله أبو القاسم أحمد يوم وفاة أبيه. وتوفي لسبع عشرة ليلةً خلت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة.
ثم ولي بعده الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور في يوم وفاة المستعلي، وقتل بجزيرة مصر في الثالث من ذي القعدة سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
ثم ولي بعده ابن عمه الحافظ لدين اله أبو الميمون عبد الحميد بن الآمر أبي القاسم محمد يوم وفاة الآمر. وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
ثم ولي بعده الظافر بأمر الله إسماعيل رابع جمادى الآخرة سنة أربعين وخمسمائة.
ثم ولي بعده ابنه الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى صبيحة وفاة أبيه. وتوفي في سابع عشر شهر رجب الفرد سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
ثم ولي بعده ابنه العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف يوم وفاة الفائز. وتوفي يوم عاشوراء سنة أربع وستين وخمسمائة بعد أن قطع السلطان صلاح الدين خطبته بالديار المصرية وخطب للخلفاء العباسيين ببغداد قبل موته، وهو آخر من ولي منهم.
الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب:
وهم وإن كانوا يدينون بطاعة خلفاء بني العباس فهم ملوكٌ مستقلون وفي دولتهم زاد ارتفاع قدر مصر وملكها.
أول من ملك مصر منهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام رحمه الله قد جهزه صحبة عمه أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية حتى استغاث به أهل مصر في زمن العاضد الفاطمي المتقدم ذكره لغلبة الفرنج عليهم ثلاث مرات انتهى الحال في آخرها إلى أن السلطان صلاح الدين وثب على شاور وزير العاضد المذكور فقتله وتقلد عمه أسد الدين شيركوه الوزارة مكانه عن العاضد، وكتب له بذلك عهدٌ من إنشاء القاضي الفاضل، فأقام فيها مدة قريبة ومات، ففوض العاضد الوزراة مكانه للسلطان صلاح الدين وكتب له عهدٌ من إنشاء القاضي الفاضل أيضاً، وبقي في الوزراة حتى ضعف العاضد وطال ضعفه فقطع السلطان صلاح الدين الخطبة للعاضد، وخطب للخليفة العباسي ببغداد بأمر الملك العادل صاحب الشام، ثم مات العاضد عن قريب فاستقل السلطان صلاح الدين بالسلطنة بمصر وقوي جأشه، وثبتت في الدولة قدمه. وتوفي بدمشق في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكانت مدة ملكه بالديار المصرية أربعاً وعشرين سنة وملكه الشام تسع عشرة سنة، ثم ملك بعده مصر ابنه الملك العزيز وملك معها دمشق وسلمها إلى عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وتفرقت بقية الممالك الشامية بيد بني عمه من بني أيوب ملك مصر والشام جميعاً في ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة خمس عشرة وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك الكامل عقيب وفاة أبيه المذكور، وهو أول من سكن قلعة الجبل بعد قصر الفاطميين بالقاهرة على ما تقدم ذكره في الكلام على القلعة، واستمر في ذلك عشرين سنة، وفتح حران وديار بكرٍ، وكان الفرنج قد استعادوا بعض ما فتحه السلطان صلاح الدين من ساحل الشام وكتب الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ست وعشرين وستمائة على أن يكون بأيدي الفرنج القلاع والنواحي التي ملكوها بعد فتح السلطان صلاح الدين، وهي جبلة، وبيروت وصيدا، وقلعة الشقيف، وقلعة تبنين، وقلعة هواين، وإسكندرية وقلعة صفد، وقلعة الطور واللجون، وقلعة كوكب ومجدل يافا، ولد، والرملة، وعسقلان، وبيت جبريل، والقدس وأعمال ذلك ومضافاته. وبنى مدرسته الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث، وتوفي بدمشق سنة خمس وثلاثين وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك العادل أبو بكر وقبض عليه في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه وهو الذي كسر الفرنج على المنصورة في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقتل في الثامن والعشرين من المحرم المذكور.
ثم ملكت بعده أم خليل شجرة الدر في صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة؛ فأقامت ثمانية أشهر، ولم يملك مصر في الإسلام امرأةٌ غيرها.
ثم ملك بعدها الأشرف موسى بن الناصر يوسف بن المسعود بن الكامل بن العادل أبي بكر بن أيوب في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وخلع نفسه وهو آخر الملوك الأيوبية بالديار المصرية.
الطبقة الرابعة ملوك الترك خلد الله تعالى دولتهم:
أول من ملكها منهم الملك المعز أيبك التركماني بعد خلع الأشرف موسى، آخر ملوك الأيوبية في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة؛ وجمع له بين مصر والشام، واستمر الجميع بينهما إلى الآن، وبنى المدرسة المعزية برحبة الخروب بالفسطاط، وتزوج بأم خليل المقدم ذكرها، وقتل بحمام القلعة في سنة أربع وخمسين وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور علي عقيب وفاة والده المذكور. وقتل أم خليل المذكورة، ورميت من سور القلعة، وقبض على المظفر سنة سبع وخمسين وستمائة. ثم ملك بعده الملك المظفر قطز وكان المصاف بينه وبين التتار على عين جالوت بعد أن استولوا على جميع الشام فس رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكسرهم أشد كسرة واستقلع الشام منهم، وبقي حتى قتل في منصرفه بطريق الشام وهو عائد منه بالقرب من قصير الصالحية على أثر ذلك في السنة المذكورة.
ثم ملك بعده الملك الظاهر بيبرس البندقداري في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، وأخذ في جهاد الفرنج واستعادة ما ارتجعوه من فتوح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وغير ذلك ففتح البيرة في سنة تسع وخمسين وستمائة والكرك في سنة إحدى وستين، وحمص في آخر سنة اثنتين وستين وستمائة، وقيسارية وأرسوف في سنة ثلاث وستين، وصفد في سنة أربع وستين، ويافا والشقيف، وأنطاكية في سنة ست وستين، وحصن الأكراد وعكا وصافيتا في سنة تسع وستين، وكسر التتار على البيرة بعد أن عدى الفرات خوضاً بعساكره في سنة إحدى وسبعين؛ وفتح قلاعاً من بلاد سيس في سنة ثلاث وسبعين ودخل بلاد الروم، وجلس على كرسي بني سلجوق بقيسارية الروم، ورجع إلى دمشق في آخر سنة خمس وسبعين، وتوفي بدمشق في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة، وبنى مدرستة الظاهرية بين القصرين.
ثم ملك بعده ابنه الملك السعيد بركة في صفر سنة ست وسبعين وستمائة، وخلع وسير إلى الكرك.
وملك بعده أخوه الملك العادل سلامش في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة، وبقي أربعة أشهر ثم خلع.
وملك بعده الملك المنصور قلاوون الصالحي الشهير بالألفي في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمي الألفي لأن آقسنقر الكاملي كان قد اشتراه بألف دينار؛ وفتح حصن المرقب بالشام في تاسع عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وستمائة؛ وفتح طرابلس في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وستمائة؛ وهو الذي بنى البيمارستان المنصوري والمدرسة المنصورية والقبة اللتين داخل البيمارستان بين القصرين. وتوفي بظاهر القاهرة المحروسة، وهو قاصد الغزو في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ودفن بتربته بالقبة المنصورية داخل البيمارستان المتقدم ذكره.
ثم ملك بعده ابنه الملك الأشرف خليلٌ صبيحة وفاة أبيه وأخذ في الغزو ففتح عكا وصور، وصيدا وبيروت، وعثليث، والساحل جميعه؛ واقتلعه من الفرنج في رجب سنة تسعين وستمائة. وقتل في متصيدة بالبحيرة في العشر الأوسط من المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وهو الذي عمر المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسي.
ثم ملك بعده الملك المعظم بيدرا وخلع من يومه.
وملك بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون في صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وهي سلطنته الأولى. وخلع بعد ذلك وبعث به الى الكرك فحبس بها.
وملك بعده ( الملك العادل كتبغا ) عقب خلعه، ووقع في أيامه غلاء شديد وفناء عظيم؛ ثم خلع في صفر سنة ست وتسعين وستمائة، وتولى بعد ذلك نيابة صرخد ثم حماة، وبقي حتى توفي بعد ذلك؛ وهو الذي ابتدأ عمارة المدرسة المعروفة بالناصرية بين القصرين وأكمل بناءها الناصر محمد بن قلاوون فنسبت اليه.
وملك بعده ( الملك المنصور حسام الدين لاجين ) في الخامس والعشرين من صفر المذكور، فجدد الجامع الطولوني وعمل الروك الحسامي في رجب الفرد سنة سبع وتسعين وستمائة، وقتل في الحادي عشر من شوال من السنة المذكورة، وبقي الأمر شورى مدة يسيرة، ثم حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك وأعيد الى السلطنة في الحادي عشر شوال من السنة المذكورة.
وملك بعده الملك المظفر بيبرس الجاشنكير في الثالث والعشرين من شوال وخلع في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة، وهو الذي عمر الخانقاه الركنية بيبرس داخل باب النصر مكان دار الوزارة بالدولة الفاطمية، وجدد الجامع الحاكمي.
وملك بعده الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل شوال من السنة المذكورة، وهي سلطنته الثالثة. وفيها طالت مدته وقوي ملكه، وعمل الروك الناصري في سنة ست عشرة وسبعمائة، وبنى مدرسته الناصرية بين القصرين، وبقي حتى توفي في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بتربة والده.
ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر عقب وفاة والده، وخلع تاسع عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الأشرف كجك بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه المنصور المذكور وخلع في التاسع والعشرين من شهر رجب من السنة المذكورة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون بعد أن أحضر من الكرك، واستمر في السلطنة حتى خلع نفسه في أوائل المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في العشرين من المحرم المذكور، وبقي حتى توفي في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الكامل شعبان، وبقي حتى خلع في ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وقتل من يومه.
ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في رابع عشر شهر رمضان المذكور، وخلع في التاسع والعشرين من جمادى الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح صالح بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الناصر حسن، وبقي حتى خلع في ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الناصر حسن المتقدم ذكره مرة ثانية يوم خلع أخيه الصالح صالح، وبقي حتى خلع وقتل في عاشر جماى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة؛ وبنى مدرسته المعظمة تحت القلعة التي ليس لها نظير في الدنيا، وفي أيامه ضربت الفلوس الجدد على ما سيأتي ذكره، وهو آخر من ملك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون لصلبه.
وملك بعده ابن أخيه الملك المنصور محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع عمه الناصر حسن، وبقي حتى خلع في خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة.
وملك بعده ابن عمه الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع المنصور المتقدم ذكره وهو طفل، وبقي حتى كمل سلطانه وبنى مدرسته بأعلى الصوة تحت القلعة ولم يتمها، وحج فخرج عليه مماليكه في عقبة أيلة ففر منهم وعاد إلى القاهرة فقبض عليه وقتل في ثالث ذي القعدة الحرام سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وفي أيامه فتحت مدينة سيس واقتلعت من الأرمن على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال حلب.
وملك بعده ابنه الملك المنصور علي يوم خلع أبيه وهو طفل، فبقي حتى توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.
وملك بعده أخوه الملك الصالح حاجي بن شعبان بن حسين يوم وفاة أخيه، وبقي حتى خلع في العشر الأوسط من رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة.
وملك بعده الملك الظاهر برقوق فعظم أمره، وارتفع صيته وشاع ذكره في الممالك وهابته الملوك وهادته، وساس الملك أحسن سياسة، وبقي حتى خلع وبعث به إلى السجن بالكرك في شهر رجب أو جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وملك بعده الملك المنصور حاجي بن شعبان، وهو الملقب أولاً بالصالح حاجي وهي سلطنته الثانية، وبقي حتى عاد الملك الظاهر برقوق المتقدم ذكره في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فزاد في التيه وضخامة الملك، وبلغ شأواً لم يبلغه غيره من غالب متقدمي الملوك، وبقي حتى توفي في منتصف شوال المبارك سنة إحدى وثمانمائة.
وملك بعده ابنه الناصر فرج وسنه إحدى عشرة سنة بعهدٍ من أبيه، وقام بتدبير أمره أمراء دولته، فبقي حتى تغير عليه بعض مماليكه، وبعض أمرائه، وحضر المماليك بالقلعة، فنزل منها مختفياً على حين غفلة في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، ولم يعلم لابتداء أمره أين توجه.
ثم ملك بعده أخوه الملك المنصور عبد العزيز في التاريح المذكور.
ثم ظهر أن السلطان الملك الناصر فرجاً كان مختفياً في بعض أماكن القاهرة، فركب في ليلة السادس من شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة، ومعه جماعة من الأمراء ومماليكه، وخرج الأمراء للقيام بنصرة أخيه عبد العزيز فطلع عليهم السلطان فرج ومن معه، فولوا هاربين، وطلع السلطان الملك الناصر القلعة في صبيحة النهار المذكور واستقر على عادته، وبقي في السلطنة حتى توجه إلى الشام لقتال الأمير شيخ والأمير نوروز نائبي دمشق وحلب، ومعه الإمام المستعين بالله أبو الفضل العباس بن المتوكل محمد خليفة العصر، ودخل دمشق وحصر بقلعتها حتى قبض عليه في ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس عشرة وثمانمائة، واستبد الإمام المستعين بالله بالأمر من غير سلطان، ورجع إليه ما كان يتعاطاه السلطان من العلامة على المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمناشير وغيرها، وأفرد اسمه في السكة على الدنانير والدراهم، وأفرد بالدعاء في الخطبة على المنابر؛ ثم عاد إلى الديار المصرية في أوائل ربيع الآخر من السنة المذكورة، وسكن الآدر السلطانية بالقلعة، وقام بتدبير دولته الأمير شيخ المقدم ذكره وسكن الإصطبلات السلطانية بالقلعة وفوض إليه الإمام المستعين بالله ما وراء سرير الخلافة، وكتب له تفويض بذلك في قطع كبير، عرضه ذراع ونصف بزيادة نصف ذراع عما يكتب به للسلاطين إلا أنه لم يصرح له فيه بسلطنة ولا إمارة، بل كتب له بدل الأميري الآمري بإسقاط الياء على ما سيأتي ذكره في الكلام على عهود الملوك إن شاء الله تعالى.